%D8%A7%D9%84%D8%B2%D9%88%D8%A7%D8%AC%20%D9%85%D9%86%20%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%88%D9%84%D8%A7%D9%86%20%D8%A5%D9%84%D9%89%20%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%B7%D9%86%20%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B1%20%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A%20%D8%A3%D9%85%20%D8%B9%D8%A7%D8%B7%D9%81%D9%8A? - ارشيف موقع جولاني
موقع جولاني


الزواج من الجولان المحتل إلى الوطن الأم قرار سياسي أم عاطفي؟بعض من معاناة أمهات جولانيات يحرمهن الاحتلال من زيارات الأهل ومسقط الرأس
عن صحيفة الوطن السورية - 05\07\2007
- أدهم الطويل

ربع قرن مرَّ على تلك المرأة الجولانية- ربع قرن لم تر فيه ولدها، بكرها، وبينما راحت المرأة توغل في العمر البطيء وتشيخ، صارت السنوات دهراً، وحفرت الأيام في وجهها أخاديد عميقة حولها الدمع المتواصل إلى مجرى دائم الالتهاب... ربع قرن وأم خزاعي «سليمة الصفدي» تقاتل، تطلب، تتوسل، تدعو، وتتمنى أن ترى ولدها خزاعي... لكن الأسلاك الشائكة الإسرائيلية التي تحفر خاصرة مجدل شمس كانت لها دوماً بالمرصاد.

قيل إن أم خزاعي هزمت الموت مراراً وهي تصر على رؤية خزاعي قبل أن تموت.. ظلت تنتظر شيئاً يشبه المستحيل ولما حدث هذا المستحيل توفيت العجوز بعد أيام قليلة من رؤية ابنها.

إنها قصة واحدة من تلك التي صنع ويصنع الاحتلال الإسرائيلي للجولان ظروف نشوء العشرات منها كل يوم، أبطالها أسر جولانية مزقت أسلاك الاحتلال وحقول ألغامه، أحلامهم وأفراحهم ومشاعرهم... أم خزاعي رأت ابنها واجتمعت به بعد ربع قرن من رفض الاحتلال لكن هناك أمهات وجدات كثيرات يمتن دون ذلك...
«الوطن» وفي محاولة لرصد أشكال هذه المعاناة الدائمة وتوثيق جزء منها التقت بعدة سيدات جولانيات يقمن في دمشق، وقد فرضت عليهن وعلى أهلهن في قرى الجولان المحتل حياة كلها عذابات وأحزان وآلام.

- السيدة سمر محمود هي اليوم زوجة الفنان أكرم الحلبي... تعرفت على زوجها، وهو ابن خالتها التي لم يسبق لها أن رأتها.
زواج سمر بابن خالتها بدا وكأنه تحصيل حاصل وتعبير عن اتساع العاطفة وعمق الروابط بين أسر الجولان الواحدة، لكن الأهم من ذلك أن قرار الزواج لم يكن كله مبنياً على الانسجام المتبادل والعواطف الجياشة بل هو في قسم كبير منه فعل وطني، ورد مباشر على إجراءات الاحتلال وقمعه.
يقول زوج سمر، الفنان أكرم الحلبي: قرار الزواج بشكل من أشكاله كان له علاقة بتلك الحالة العاطفية التي تكونت بين اسرتين جولانيتين تفصلهما الأسلاك الشائكة، هو أكبر من أن يكون قراراً فردياً لشاب وفتاة أحبا بعضهما بعضاً، لعله كان أعمق من ذلك أنه تعبير عن الحاجة للتواصل وقمع الاحتلال، وأعتقد لو أن الاحتلال ليس قائماً لما كانت خريطة التزاوج بين أهل الجولان الموزعين هنا وهناك بهذا الشكل من الاتساع.
السيدة سمر التي اعتبرت دوماً أنها لم تبتعد عن أهلها، فهي انتقلت من حضن أمها إلى حضن خالتها.. لا تفضل النظر كثيراً إلى الخلف، لكنها لم تستطع إلا أن تتوقف عند تفاصيل معاناتها التي بدأت منذ حفل زفافها الذي لم يتم للمرة الأولى وتقول: لطالما خربت سلطات الاحتلال أفراح ومناسبات الجولانيين، إذ لا أنسى تلك اللحظات القاسية التي عشتها عند معبر القنيطرة وأنا عروس أرتدي أكليل الفرح.. ساعات من الانتظار المهين وأهل زوجي في السويداء اعدوا كل ما يلزم لحفل الزفاف.. لكني لم أتمكن من العبور وعدت أدراجي إلى المجدل.. وتضيف سمر: لقد تعمدت سلطات الاحتلال دس أوراق رسمية عبرية بين الأوراق المطلوبة لدخولي إلى بلدي، أوراق تعني أني «مواطنة إسرائيلية» أعبر من دولة إلى أخرى الأمر الذي كان بمثابة قنبلة نسفت كل حفل الزفاف.. وأخرت زواجي أكثر من شهرين ولم تتجاوز الأزمة إلا بعد تدخل عضو كنيست عربي لدى سلطات الاحتلال.
تجربة زواج السيدة سمر بابن خالتها في السويداء وابتعادها من أهلها ليست اليوم الشكل الوحيد لمعاناتها.. بل ولدت التجربة أشكالاً أخرى من هذه المعاناة. تتعلق بالأطفال واسئلتهم المؤلمة عن الجد والجدة عن الأقارب عن مجدل شمس عن الاحتلال الذي يمنعهم من الذهاب إلى بيت جدهم.. المعاناة التي يسببها منع الإنسان من أبسط حقوقه، منع الأم من رؤية أولادها والأخ من رؤية إخوته..
في هذا السياق تتوجه سمر عبر الإعلام لتطلب من الجهات الرسمية المعنية بشؤون الجولان أن تهتم أكثر بهذه المعاناة، أن تكثف الحكومة السورية اتصالاتها باتجاه كل مؤسسات المجتمع الدولي للضغط على إسرائيل التي تقف وراء هذه الأوضاع غير الطبيعية، وكيف يمكن أن يحدث ذلك وبأي مسار؟
هنا يجيب الفنان أكرم الحلبي: إن الشكل العملي المطلوب للتواصل بين أسر الجولان هو إرغام سلطات الاحتلال على السماح لأهلنا في القرى المحتلة بزيارتنا هنا بشكل دوري ومستمر عبر وفود لا تقتصر على المشايخ والطلاب، فذلك يخفف معاناتنا ويزداد تمسك الناس بالقيم الوطنية، علماً أن اللقاءات التي تجري في الأردن بين أهل الجولان بعضهم مع بعض ليست ولم تكن يوماً البديل من الزيارات المباشرة للجولانيين إلى الوطن الأم سورية.. تلك اللقاءات المرهقة نفسياً ومادياً لكلا الطرفين وخاصة أن الأشقاء الأردنيين حولوها إلى مصدر للكسب.

- السيدة أمية محمد الصفدي متزوجة من حسان محمود ابن عمتها وكلاهما من الجولان.
أمية درست وتخرجت في معهد التربية الرياضية، وهي إلى الآن لم تحصل على وظيفة رغم نجاحها في مسابقة وزارة التربية، هذا الأمر الذي شكل بالنسبة لها ولأسرتها الصغيرة هنا مصدر قلق دائم وحسرة تحز في النفس إذ تقول أمية: أتمنى الحصول على وظيفة سريعاً وقبل عودة الجولان وإلا فإن موقفي سيكون محرجاً أمام والدي إذا ما قدر الله لي واجتمعت به!
وما الذي يمنع لقاء والد أمية المناضل محمد الصفدي بابنته التي بارك زواجها؟ بالطبع إنه الاحتلال أولاً، وكذلك مواقف أبي أمية الوطنية «المتشددة»، فهو حتى الآن يرفض مجرد الاتصال بابنته تليفونياً، ولا حتى المجيء من مجدل شمس إلى الأردن حيث تلتقي العائلات الجولانية، إذ يعتبر كل ذلك تطبيعاً من العدو.
تقول السيدة أمية: أحياناً أعتقد أن والدي يبالغ، خاصة عندما يشتد الشوق بي لرؤيته، وقد مضى على آخر مرة رأيته فيه أكثر من خمس سنوات، لكني أعود وأقول إنها طبيعة الجولانيين، فنحن تربينا على هذه المشاعر الوطنية العارمة، ثم إنني أعلم أن حجم التفاؤل الذي يحمله والدي بعودة الجولان هو أكبر من كل هذه التفاصيل، وتضيف: لقد سرح والدي من عمله في سلك التعليم في الجولان بسبب مواقفه الوطنية، هذه المواقف التي نال التكريم عليها في وطنه الأم.
سلسلة المشاعر المتناقضة هذه التي تعيشها أمية تصل بها أحياناً إلى حد الانهيار، كما تقول وهي تتحدث عن معاناتها بسبب بعدها عن والدها ووالدتها وإخوتها وتشرح: إن كل المناسبات السارة التي مرت في حياتي من زواج وولادة وأعياد كانت تتحول إلى العكس، إلى مناسبات للحزن والبكاء والألم... عندما تزوجت من ابن عمتي كانت عملية السلام جارية على قدم وساق وكنت طالبة يسمح لي بالعودة إلى أهلي خلال الصيف وقد استمرت هذه الحال لمدة ثلاث سنوات بعد زواجي، لكن في آخر مرة منعت من الذهاب إلى أهلي بعدما انتظرت ساعات عند معبر القنيطرة، وقد جاء جواب سلطات الاحتلال بالرفض لأني أصبحت أحمل الهوية السورية... وتضيف ساخرة: هم يعلمون أننا لم نتخل يوماً عن هويتنا السورية وعن انتمائنا العربي القومي.
وتختم أمية: إن وجودي هنا في وطني الأم يشعرني بالحرية والكرامة وبالعنفوان.. أما حالي الذي أنا عليه كثيراً ما يشعرني بالحزن والألم.. فأنا أعتقد أنه بإمكان حكومتنا أن تفعل أكثر من ذلك لتساعدنا للتخفيف من معاناتنا، وتنشط أكثر أمام الهيئات الدولية والدول الفاعلة في العالم للمطالبة بحقوقنا في لقاء أهلنا في الجولان المحتل، التي هي أبسط حقوق الإنسان.

السيدة زينة سليم الصفدي، متزوجة من ابن عمتها الدكتور أسعد ملي منذ 13 عاماً.. الدكتور ملي هو كذلك من أبناء الجولان درس في جامعة دمشق، ونال فيها إجازة في علم الاجتماع، ثم تخصص في روسيا وحصل على الدكتوراه وقرر الاستقرار في دمشق. والزواج بالسيدة زينة.. وهكذا بدأت القصة.
تشيح السيدة أم عمر بوجهها كي لا نلحظ بداية الدمع في عينيها ثم تعود لتقول: أصعب لحظة بالنسبة لأسرتي عندما نذهب إلى الأردن للقاء الأهل القادمين من الجولان.. تمر الأيام سريعاً وعندما تحين لحظة الفراق، ونبدأ مسلسل الوداع، أتوه وأنسى ما أفعل، إذ كثيراً ما أودع أشقائي ثلاث أو أربع مرات، أبدأ من أبي وأمي ثم إخوتي أقبّل الجميع ثم أعود فأبدأ تقبيلهم من جديد.. لا أعتقد أن أحداً في العالم يعيش مأساتنا في القرن الحادي والعشرين.
عندما تزوجت زينة واستقرت في دمشق كان الحديث عن السلام مع إسرائيل يبعث على التفاؤل، كانت التوقعات بعودة الجولان تؤكد أن الأمر مسألة شهور أو سنة مثلاً.. لكن شيئاً جدياً لم يحدث منذ تلك الأثناء، ولم تقدم إسرائيل شيئاً جديداً, أو تغير من مواقفها، والذي تغير بالمقابل هو حجم آلام الجولانيين ومعاناتهم الذي أصبح أكبر من أن يحتمل.
تقول أم عمر: مناسباتنا كلها حزينة حتى تلك التي علينا أن نفرح فيها كالولادة والزواج والأعياد.. لدي أربعة إخوة وخمس أخوات، والدي على قيد الحياة كلهم يتمنون ويتطلعون للقدوم إلى الشام.. أما أنا فإذا أردت أن أفكر بكل واحد منهم دقيقة واحدة، فهذا يعني أن أعيش حزينة دوماً، خارج الوعي مشتتة الفكر دائمة القلق .. والمؤلم أكثر أن السيدة زينة لا تعلق آمالاً كبيرة على ما يدور من حديث عن السلام في المنطقة والسبب برأيها أننا فقدنا الثقة بجدوى ما يحدث،وبجدية إسرائيل في السلام مع سورية، إنها لا تفكر بالخروج من أرضنا، وأعتقد أن الأوضاع ستبقى هكذا طويلاً.. لذلك تخلص إلى القول إنه أمر يبعث على الجنون.. وتضيف: كثيراً ما يخطر في ذهني ونحن نقف على الشريط الذي يفصلنا عن مجدل شمس أن أعبر تلك الأمتار القليلة المفصولة بالأسلاك الشائكة والمحشوة بالألغام لأصل لأهلي إلى بيت جدي.. أسأل نفسي أحياناً، كما يفعل الأطفال.. ها هم أهلي قريبون جداً مني ما الذي يمنعني من الذهاب إليهم.. من الذي يملك الحق في منعي من زيارتهم ساعة أشاء، ذلك كما يفعل أي إنسان في هذا الكون.
يزداد ألمي وحزني كلما تأكدت أن قلائل فقط هم الذين يشعرون بمأساتنا هذه وتضيف أم... إن هذا الجانب الإنساني تحديداً هو الذي يجب أن يركز عليه الإعلام الوطني..على حكومتنا ألا تعتمد على الفرص والمناسبات الوطنية للحديث عن قضية الجولان عن معاناة أهله، عن شهدائه، أسراه، زراعته، تجارته... إلخ بل يجب أن تكون كل هذه التفاصيل المؤلمة على جدول أعمال أي لقاء مع مسؤول أجنبي، ذلك قبل الحديث عن عودة الجولان.. نريد أن يتكثف الضغط الرسمي وعلى الصعد كافة لجعل قضية تواصلنا الدائم مع أهلنا هماً دائماً.
من جانبه يؤكد الدكتور ملي أن منشأ كل هذه المعاناة هو الاحتلال الإسرائيلي وإجراءاته بالطبع، لكن المطلوب من حكومتنا بالمقابل أن تكثف من عملها السياسي والدبلوماسي، وتوسع شبكة الاتصالات الفاعلة بالمنظمات الإنسانية. وطالب ملي الإعلام الوطني بلعب دور أكثر فاعلية، في فضح الممارسات الإسرائيلية ومعاناة أهلنا في الجولان.
في هذا السياق اقترح الدكتور ملي وضع برنامج واضح ومحدد وفاعل لتحريك قضية التواصل بين الأهل، ومتابعة هذا البرنامج وإيجاد آليات دائمة لذلك، كذلك يجب أن يكون لدينا قائمة بالمطالب الإنسانية تقدم لكل زائر إلى سورية صغر أم كبر. ما سبق جانب من قصص نساء الجولان اللواتي يعشن أدق تفاصيل مأساة البعد عن الأهل، اغتراب الفتاة عن أمها وأبيها عن مسقط رأسها عن أسرتها وأحبائها. المطلوب لرصد هذه القصص المؤلمة الكثير من العمل الإعلامي المهني خاصة التلفزيوني..
ليس بهدف التخفيف من معاناة أبطالها نساء الجولان على وجه التحديد.. بل أيضاً لتوثيقها وإعلانها أمام العالم بطريقة تؤكد كم هو بشع وقذر ومتوحش هذا الاحتلال الذي يجثو على صدر الجولان منذ أكثر من أربعين عاماً..